م. شاهين فوزي :
بينما تخوض الثورة المصرية معركتها العصيبة ضد الانقلاب تظهر لنا عدة بشريات دالة على اتساع مساحة الزخم الشعبى المناهض لحكم العسكر فتحت قصف أشرس حملة للدعاية السوداء ضد جماعة الاخوان المسلمين وأنصار الشرعية عبر كافة وسائل الإعلام الحكومية والخاصة تحت شعار الحرب على الارهاب !! ، وبالرغم من آلاف الساعات الفضائية والصفحات المطبوعة التى تقطر سماً زعافاً هادفة لتشويه وعى المصريين تجاه الاسلاميين ، تأتى نتائج انتخابات التجديد النصفى لنقابات الأطباء الفرعية لتمثل لطمة قوية على وجه عرٌابى البهتان ، فبالرغم من خسارتها لمعظم مقاعد النقابة العامة فقد حازت قوائم ( أطباء من أجل مصر ) على عدد لا بأس به من مقاعد النقابات الفرعيه منها الفوز بجميع مقاعد نقابات الفيوم والقليوبية والدقهلية والغربية ، و75% من مقاعد الوادي الجديد والمنوفية وكفر الشيخ، و 50 % من مقاعد الأقصر و الشرقية وسوهاج والبحر الأحمر.
ربما تكون تلك النتائج هى الأدنى توفيقاً لهم منذ عدة سنوات ، لكن مقارنتها بحجم حملة الشيطنة الرسمية لكل مناهضى الانقلاب ، وبالتوازى مع اعتقال العديد من الأطباء دون جريرة سوى رفضهم للانقلاب العسكرى ، يعد هذا التصويت كاشفاً عن قدرة قطاع مهنى هام يتعاطى مع مختلف طبقات المجتمع على النجاة من عمليات غسل الأدمغة و وعيهم بالحقائق الكاشفة التى تدين الانقلابيين وتبرىء ساحة المعتقلين ، لذا تم انتخاب عدة أطباء فى (الوادى الجديد – البحر الأحمر – الغربية) رغم كونهم رهن الاعتقال !! ، وبالطبع ليس هناك ثمة تناقض بين المشاركة فى انتخابات النقابات المهنية وبين مقاطعة استفتاء العسكر، لكونها منظمات أهلية ليس لسلطات الانقلاب الغاشمة أى ولاية عليها .
على الجانب الآخر تظهر لنا عدة تحديات أهمها اصرار الانقلابيين على المضى فى قاطعة الطريق إلى آخر الشوط لشرعنة وضع العسكر كدولة داخل الدولة ، ولتكوين واجهة مدنية تنفيذية وتشريعية تتعاطى مع الخارج بصفتها هيئات منتخبة بينما نعود القهقرى لتأميم جميع السلطات حصرياً لمن يثبتون ولائهم لجنرالات الانقلاب.
إن حشد الجماهير نحو مقاطعة ااستفتاء العسكر يعد هدفاً تكتيكياً هاماً فى اطار استراتيجية كسر الانقلاب بنزع المشروعية عن كل ممارساته وآلياته واعتبارها باطلة من الأساس تبعاً للقاعدة الشهيرة ( ما بُنى على باطل فهو باطل) ، والهدف الأكثر عمقاً وتأثيراً هو خروج مظاهرات حاشدة لرفض وثيقة الانقلاب يومى14 و 15 يناير مما سيكشف للداخل والخارج تهافت مسرحية الاستفتاء وحجم الزخم الشعبى الرافض للاعتراف من الأساس بكل الاجراءات التى تمت منذ نكسة 3 يوليو.
وبالتزامن مع الاعداد للحشد ضد مسرحية الاستفتاء الهزلى يبرز لنا تحدياً هاماً وهو االتخطيط لتطوير نوعى فى النضال ضد الانقلاب بالتزامن مع الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير المغدورة على يد العسكر ، وهو ما يتطلب تفاهماً بين التحالف الوطنى لدعم الشرعية وبين القوى الثورية والنشطاء الذين باتوا يطالبون بانهاء النظام الغاصب
وذلك عبر خريطة طريق يتم تسويقها لجماهير الشعب كمسار واضح يتم تنفيذه فى اليوم التالى لكسر الانقلاب.
إذا تأملنا أخطاء ثوار 25 يناير يبدو أن الخطأ الاستراتيجى للرئيس مرسى وللاسلاميين أنهم وثقوا فى قادة العسكر وتناسوا أن السيسى نفسه كان مدير المخابرات الحربية المسئول عن تأمين نظام مبارك . و اتخذوا مساراً اصلاحياً تجاه دولة الفساد العميقة ولم يصارحوا الشعب بحقيقة المعضلات التى واجهتهم وأهمها تحرير القرار المدنى من سيطرة العسكر وهو ما أكده الوزير يحيى حامد على شاشة الجزيرة* حول عرقلتهم لمشروع محور قناة السويس و لمشروع تنمية سيناء كى تتم تحت سلطتهم المباشرة بعيداً عن سيطرة أو رقابة المؤسسات المنتخبة.
أما عن الثوار فقد استخدمتهم مخابرات السيسى فى 30 يونيو كغطاء للانقلاب ، قبل أن ينقسموا إلى 4 فرق الفريق الأول تم احتوائه وتدجينه منذ زمن وهؤلاء شركاء للانقلاب حتى نفسه الأخير ، والفريق الثانى ظنوا أنهم يستطيعون تطويع الدولة العميقة وقدموا عدائهم للاخوان على حبهم لمصر وولائهم للثورة فامتطاهم الفلول والعسكر ، وهؤلاء يحاولون إامساك العصا من المنتصف بادانة بعض جرائم الانقلاب دون أى جهد فعلى لكسره أو جهاد لاستعادة مكتسبات الثورة الضائعة، والفريق الثالث الأقل حجماً وهم من خرجوا فى 30 يونيو لكنهم رفضوا انقلاب 3 يوليو ومنهم من بادر إلى النزول فى رابعة والنهضة ، أما الفريق الرابع فهم من أفاقوا الآن بعد أن مسهم بطش العسكر لكنهم ما زالوا يفرضون الشروط المجحفة على أنصار الشرعية كى يشاركوا فى الحراك الثورى.
و يبدو واضحاً الآن ضرورة اندماج الفريقين الثالث والرابع من الثوار مع الحراك المتصاعد فى الشارع والذى يشكل أنصار التيار الاسلامى مكونه الأساسى ، و الأكيد أن خريطة الطريق المطلوبة لتوحيد جهود القوى المناهضة للانقلاب ستستلزم حواراً عميقاً واستعداداً متبادلاً للتنازل عن بعض المطالب فى سبيل الوصول لمسار موحد يجمع كل القوى الوطنية الحرة ويجتذب بعض الكتل الجماهيرية غير المسيسة التى تم خداعها فى 30 يونيو وأفاقت الآن على مرارة البطش والعسف والاستبداد.
لكن الثابت أيضاً أن أى حل توافقى لابد أن يتم فى إطار عودة الشرعية أى عودة الرئيس الصامد ومجلس الشورى و دستور الشعب كمقدمة أساسية لخريطة طريق الثورة على العسكر.
إن واجب الوقت هو توحيد كل الجهود الممكنة لانتشال مصر من قاع الانحطاط السحيق الذى هوى بنا فيه الانقلابيون حتى اعترف منير فخرى عبدالنور بأن مصر أوشكت على الافلاس ، بينما نعانى من الإفلاس الحقيقى فى العدل والحرية فى ظل حكم سفك دماء الآلاف و مازال يطارد الشرفاء و يعتقل الأطفال والفتيات بل ويقتل الطلاب داخل جامعاتهم ، وكأن الشاعر كان يصف حالنا حين قال :
لمن نشكو مآسينا ؟ ومن يصغي لشكوانا ، ويجدينا ؟
أنشكو موتنا ذلاً لوالينا ؟ وهل موت سيحيينا ؟
قطيع نحن والجزار راعينا ومنفيون نمشي في أراضينا
ونحمل نعشنا قسرا بأيدينا ونعرب عن تعازينا لنا فينا
فوالينا ، أدام الله والينا رآنا أمة وسطا
فما أبقى لنا دنيا ولا أبقى لنا دينا