في الرابع عشر من أيار/مايو، صدرت سلسلة من الأوامر الملكية باسم العاهل السعودي الملك عبدالله بناء على طلب خليفته المحتمل نائب وزير الدفاع وولي العهد الأمير سلمان، التي غيّرت تغييراً جذرياً القيادة السياسية والعسكرية المحترفة في المملكة العربية السعودية. وربما النبأ ذو الأهمية الإخبارية الأكثر جلباً للإنتباه هو تعيين الأمير خالد بن بندر نائباً لوزير الدفاع. وبذلك تم إعفاء الأمير سلمان بن سلطان بن عبد العزيز، البالغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، والذي عين للتو في منصبه المذكور في آب/أغسطس الماضي، بعد أن حل محل عضو آخر أقل أهمية في العائلة المالكة كان قد تولى المنصب قبل ذلك بأربعة أشهر.
لقد أدى تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز في أواخر آذار/مارس إلى إشعال فتنة ما بين الأجيال داخل العائلة السعودية المالكة، حيث أن بات بعض أحفاد الملك عبد العزيز آل سعود وهو مؤسس المملكة يخشون من منعهم من تبوء مناصب قيادية.
وقد استهدف بعض الأمراء الأحفاد تحديداً رئيس الديوان الملكي خالد التويجري وذلك عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، متهمينه بأهداف مشبوهة وفاسدة.
فمنذ الاعلان عن تعيين الامير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد السعودي اواخر شهر مارس الحالي تحول القلق والغضب من نفوذ رئيس الديوان الملكي الذي كان يتداول في المجالس الخاصة إلى العلن وبصوت حاد عبر وسائل التواصل الجماهيري من قبل من بعض الامراء الاحفاد، بل إن الاستهداف اخذ يتطور الى توجيه الاتهام بالتآمر واستغلال المنصب لأهداف شخصية، كان الامير خالد بن طلال اول من بدأ هجومه المعلن ضد رئيس الديوان الملكي من خلال تغريداته على تويتر دون تسميته صراحة، فكتب:” المرشد الأعلى يفتح ديوان خاص به في تويتر…!! بدلا من الديوان الملكي..!! تعويضا عن أمور المواطنين التي عطلها وكدسها طول هذه السنوات..!!” ثم لحق به حفيد آخر هو الامير سعود بن سيف النصر وكان استهدافه للتويجري ومازال بشكل صريح ومباشر، واتهمه مباشرة بالفساد عبر سلسلة من التغريدات.
ظهرت أول بوادر أزمة داخل العائلة الحاكمة – رغم محدوديتها – من خلال التصريح “الفاتر” للراحل الامير نايف بن عبدالعزيز عقب صدور الامر الملكي بإنشاء هيئة البيعة عام 2006 عندما وصفها بانها استشارية فقط، وفيها إشارة الى انها غير ملزمة ولا تحظى بقبول الجميع، وقد كانت بعض الاصوات داخل الاسرة تشعر بقلق من امكانية إعاقة هيئة البيعة وصولَ الامير نايف لولاية العهد او تأثيرها على التسلسل الافقي لتسلم ولاية العهد المتعارف عليه داخل الاسرة، إلا أن تلك المخاوف هدأت لاحقا بعد ان تم الاعلان رسميا عام 2011عن تعيين الامير نايف وليا للعهد، اذا ما استثنينا موقف الأمير طلال الرافض الابرز لذلك التعيين.
ثم جاء غياب الامير نايف عن المشهد السياسي السعودي عام 2012 ليساهم بشكل كبير في عودة الخلافات داخل البيت الحاكم مرة اخرى حيث يعتقد ابناء المؤسس ممن تم تجاوزهم نتيجة اختيار الامير نايف لولاية العهد، أن الوقت قد حان لتصحيح الوضع وإعادة الاعتبار للتراتبية العُمرية المتعارف عليها قديما أو عبر التداول والتشاور داخل هيئة البيعة وليس بقرار فردي او رغبة مجموعة داخل الاسرة. أزعج بعض أبناء المؤسس الكبار لأن الأمير مقرن قد اندفع إلى أول الطابور رغم أنه ليس الأكبر سنا.
فكتب الأمير طلال بن عبد العزيز في التويتر في ٣٠ نيسان: “تلقيت اليوم رسالة شكر من سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز يشير فيها إلى تهنئتي له بتعيينه ولياً لولي العهد. وحيث أنني لم يسبق لي تهنئته ولا غيره فلزم التنويه فموقفي بضرورة البعد عن التجاوز الذي يؤدي إلى الفرقة ثابت كما أعلنته في 23 يناير 2012 ولن يتغير”.
هذا الغضب والنقد المعلن الموجه ضد رئاسة الديوان الملكي لم يحدث فجأة بل هو تعبير متأخر انفجر الان بعد سلسلة من الازمات نتيجة غياب آلية دستورية صريحة ونصوص محددة وواضحة تنظم عملية انتقال الحكم واختيار ولي العهد، وكانت الخلافات في السابق تُحل بواسطة الكبار الاقوياء داخل الاسرة حينئذ سلطان ونايف وسلمان، وكان وجودهم يحول دون تطور الازمات لتتم معالجتها داخل الاسرة، أما الان وبعد ثمان سنوات من أول محاولة قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمأسسة نظام الحكم، غاب الكبار إما بوفاة او مرض ومن تبقى منهم اصبح طرفا في الازمة مما فتح الباب أمام تدخل الاحفاد الذين اعلنوا مواقفهم أو مواقف غيرهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلا ضابط او حَكم، هذا الاستهداف لدور رئاسة الديوان الملكي فتح الباب امام المتابعين للشأن السعودي للبحث في حقيقة و تفاصيل الازمة.
المراقب السعودي يعلم ان ما يثيره بعض الامراء ضد التويجري من اتهامات لن تحد من نفوذه او تعيق ادارته او توجهاته التي نالت الثقة الملكية ومن خلالها وصل بسلطته الى كل مرافق الدولة، بالطبع هذا الوضع يثير غضب بعض الامراء الذين تعودوا خلال العقود السابقة على الحصول على كل ما يريدونه دون حساب داخلي أو تدخل من خارج الاسرة، وليس سرا أن اغلب السعوديين خاصة المشاركين والمتابعين على صفحات التواصل الاجتماعي باتوا على يقين ان حقيقة غضب بعض الامراء من التويجري ليس له علاقة بالدين ولا بمصلحة الشعب والوطن كما يحاول اظهاره بعض الغاضبين بل بواقع أنه لا ينتمي إلى العائلة المالكة وقد تمكن من تبوء مناصب عالية ومهمة.
ومنذ تسمية أول رئيس للديوان “الملوكي” الملكي السعودي في منتصف عشرينات القرن الماضي كانت مهمة رئيس الديوان محددة بإدارة شؤون مكتب الملك وتنفيذ قراراته ومتابعتها، استمرت الشخصية التنفيذية هذه لرئيس الديوان بصورتها التقليدية التي تعود عليها الأمراء الابناء والاحفاد لأكثر من ثمانية عقود حتى عام 2005 عندما أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتعيين احد ابناء مستشاره ورفيق دربه المؤرخ والاديب عبدالعزيز التويجري، خالد التويجري بذكائه وخلفيته القانونية والسياسية والعائلية استطاع ان يكسب ثقة العاهل السعودي بلا حدود، وان يتجاوز وظيفته في تنفيذ القرارات الى المشاركة في صنعها، ومن هنا نفهم السبب الحقيقي للمواقف العدائية لبعض الامراء ضد التويجري المواطن الذي تجاوز حدوده – في نظر بعض الامراء- ليتحول الى صاحب قرار في كثير من القضايا التي تخص الدولة والاسرة الحاكمة ومن ابرزها وأخطرها القرار الملكي بتعيين الامير مقرن وليا لولي العهد، مما يعني حرمانهم مستقبلا للوصول الى المناصب القيادية في الدولة، فبالإضافة الى من اعلنوا الغضب والعداء ضد القرار الملكي ومصدره، فضل بعض الامراء الصمت والخضوع للأمر الواقع حرصا على تطويق الازمة داخل البيت الملكي ، وآخرون احتجوا على لسان غيرهم من الامراء والشخصيات الدينية والقبلية وبقوا على رفضهم الصامت.
إن تعيين الامير مقرن وهو أصغر الابناء الموجودين للمؤسس بقرار ملكي محصن ضد كل تعديل او تغيير او تأويل، يهدف الى ضمان تنفيذ ترتيبات مستقبلية في الحكم السعودي، ولا يظهر حتى الان من يمتلك القدرة أو المشروعية لتعطيله او التأثير عليه، وكل المؤشرات المتوفرة حاليا تدل على انه اذا لم تطرأ أيُ مفاجآت ، فان رئيس الديوان الحالي سيظل مرشدا أعلى ليشرف على تنفيذ تلك الترتيبات، وعلى انتقال الحكم وولاية العهد من الوراثة الافقية الى الوراثة الرأسية.