محمود مراد:
هل شعرت بالسرور أو الشماتة بعد الارتفاع الفاحش في الأسعار مؤخرا وحدثتك نفسك: يستاهلوا ولاد الإيه، خليهم يدوقوا؟!
بداية اطمئن، فلن أرتدي ثوب الورع الكاذب وأعمد إلى توبيخك، فأنا أعرف أن هذا سلوك فطري بعد الأهوال التي لقيها الشرفاء المستضعفون من أنصار وغد الفلاتر.
لكن حتى تضع الأمور في نصابها الصحيح تدبر هداك الله ما يلي:
ـ لما أسلم ثمامة بن أثال التميمي سيد بني حنيفة والمسيطرُ على تجارة الشعير بين منطقة اليمامة ومكة، وكان ذلك بعد غزوة الأحزاب، قرر أن يفرض مقاطعة اقتصادية على قريش عقابا لها على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عبارته الشهيرة في وجه سادة قريش “لا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم”. وبالفعل، في غضون أسابيع قليلة أنشب الجوع نابيه في بطون المشركين بمكة وكادوا أن يهلكوا. فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشدونه الرحم أن يأذن في معاودة التجارة بين مكة واليمامة.، فرق قلبه لحالهم وأمر ثمامة بذلك. (قصة إسلام ثمامة رضي الله عنه مثيرة مفيدة وقد نقلت لك رابطها في التعليق الأول). إذن، هذا هَدْيُ النبي صلى الله عليه وسلم، وحق على من يبتغي رضا الله ونصره أن يهتدي به وأن تسبق شفقته نقمته مع من يُرتجى صلاحهم..
ـ إذا كنت تتوقع ممن أغمض عينيه على مدى عام كامل عن طوفان الدماء ومآس تلين لها الصخور، أن يتحول سخطه لأجل بطنه ولقمة عيشه إلى تعاطف معك ومع أهدافك النبيلة الراقية لمجرد أن الذي ظلمك وظلمهم واحد، فأنت واهم.
أولئك لم يكونوا أصلا سوى جوقة التشجيع فيما أصابك وغاية تأثير الواحد منهم أن يصفق لهذا الفريق أو ذاك، ولا تنس قول الصادق الأمين في ذم هؤلاء ” تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم ..”. باختصار، انس موضوع ثورة الجياع فلن يفيدك كثيرا ما لم تظهر أنت تعاطفا مع هموم الناس وتأخذ بأيديهم لترشيد غضبتهم وتوعيتهم بعدوهم الحقيقي بلطف ورفق.
ـ صحيح أن سنة الله جرت بأن لئام الناس لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، لكن عليك أن تثق في قدرة الله تعالى مقلب القلوب على تغيير نفوس جحافل المغفلين بالحسنى، والله لطيف بعباده. تقبل الله منك الصيام.