في مستهل النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر وتحديدا في عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي الذي كان من اطول الخلفاء حكما لمصر 1036-1094م / 427-487 هجرية
اي ستين عاما متواصلة شهدت الفترة الاولي من حكمه ازدهار الدولة في جميع المجالات والذى كان يعتبر من العصور الذهبية في مصر ولكن سبحان الذي يبدل الاحوال ولايتبدل انقلبت الاحوال في العام الثلاثين من حكم هذا الخليفة
لتدخل مصر مرحلة رهيبة جدا لم يتخيلها اي انسان وقد اسهب المؤرخون في ذكرها
حيث حدثت الشدة المستنصرية أو مايعرف بالشدة العظمى
هو مصطلح يطلق على المجاعة والخراب الذي حل بمصر نتيجة غياب مياه النيل بمصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف
حدثت الشدة المستنصرية في عام 457 هجرية وكان المستنصر يحتفل بالعام الثلاثبن لبلوغه عرش الدولة العلية ذات القوة البهية مابين الامم والدولة انذاك كانت تضم مصر والشام والحجاز وجزء من اليمن الي جانب النوبة (شمال السودان )وبرقة (شرق ليبيا ) ولكن في هذا العام حدث شىء لم يكن في الحسبان انخفض النيل بشدة وقسوة علي ارض مصر استعصت المياة وكأنها اقسمت الا تأتي لمدة 7 سنوات استمرت لنفس عدد السنوات العجاف التي ذكرت في القرأن والتي انقذها النبي يوسف الصديق من براثن المجاعة والمهانة وخرجت مصر بفضل من الله ثم سياسة النبي يوسف الحكيمة اقتصاديا من الازمة ..
روى المؤرخين حوادث يشيب لها الولدان فلقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وعندما علم الوزير بسرقه بغله غضب غضبا شديدا وتمكن من القبض علي اللصوص وقام بشنقهم علي شجره وعندما استيقظ في الصباح وجد عظام اللصوص فقط لان الناس من شده جوعها قاموا باكل لحومهم . جاع الخليفة نفسة حتى أنه باع ما على مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه أبنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع صوب بغداد
تعذر وجود الاقوات وغلت الاسعار وبلغ سعر رغيف الخبز الي 15 دينار دفعة واحدة وكان مبلغا كبيرا
اضطر الناس الي الهجرة من مصر وكان وجهتهم الي الشام والعراق والحجاز من وطأة هذه الازمة ويذكر ان ام الخليفة هاجرت هي وبنات الخليفة الي الشام تاركة ابنها الخليفة الي مصيره ..
كان المستنصر نفسه يقتات من الطعام القليل ولم يقو علي الوقوف في بعض الايام ..
اضطر بعض اعيان الدولة ان يخدموا الناس لقاء كسرة من الخبز
بيعت حارة باكملها مكونة من عشرين دارا بطبق من الطعام حتي سميت بحارة الطبق
اضطر بعض الناس لااكل لحوم القطط والكلاب الميتة والبحث عن شرائها وكان يباع الكلب ب5 دنانير والقطة ب3 دنانير وفي يوم من الايام سرقت بغلة الوزير وذبحها الخاطفون واكلوها
بارت بالطبع الاراضي الزراعية الخصبة وتوقفت الصناعة وبالتالي التجارة وانتشرت البطالة ومن ثم انتشرت السرقات وعمليات السطو المسلح وتشكيل العصابات وادى ذلك الي انفلات الامن الذى شمل جميع قطاعات الدولة بما فيها الجيش
يروى المقريزى أن سيدة غنية من نساء القاهرة آلمها صياح أطفالها الصغار و هم يبكون من الجوع لجأت إلى شكمجية حليها و أخذت تقلب ما فيها من مجوهراات و لا تستطيع شراء رغيف واحد..فاختارت عقدا ثمينا من اللؤلؤ تزيد قيمته على ألف دينار، وخرجت تطوف أسواق القاهرة و الفسطاط فلا تجد من يشتريه.وأخيرا استطاعت أن تقنع أحد التجار بشرائه مقابل كيس من الدقيق،و استأجرت بعض الحمالين لنقل الكيس إلى بيتها، ولكن لم تكد تخطو بضع خطوات حتى هاجمته جحافل الجياع، فاغتصبوا الدقيق، وعندئذ لم تجد مفرا من أن تزاحمهم حتى اختطفت لنفسها حفنة من الدقيق وحزنت لم حدث من الجماهير الجائعة، فعكفت على عجن حفنة الدقيق و صنعت منها قرصا صغيرة و خبزتها ثم أخفتها فى طيات ثوبها و انطلقت إلى الشارع صائحة : الجوع الجوع... الخبز الخبز... والتف حولها الرجال و النساء و الأطفال و سارت معهم إلى قصر الخليفة الستنصر، ووقفت على مصطبة ثم أخرجت قرصا من طيات ثوبهاو لوحت به و هى تصيح : أيها الناس.. قلتعلموا أن هذه القرصة كلفتنى ألف دينار... فادعوا معى لمولاى السلطان...
وذكر ابن إلياس أن الناس أكلت الميته وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لإصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها
اما عن التداعيات السياسية فكان لها اكبر الاثر في تفاقم الازمة حيث انقسم الجيش الفاطمي الى جنود مغاربة واتراك وسودانيين و ارمن و شوام ..
ادى هذا الى انشقاق قواد امثال ناصر الدولة ابن حمدان الذي هرب الي الدلتا والاسكندرية واعلن سقوط الخلافة واسقط الدعاء للخليفة علي منابر هذه المناطق وحارب الجند السودانيين حتي اخرجهم الي الصعيد وكان ابن حمدان زعيم الجند الاتراك وحاصر القاهرة تمهيدا لانهاء الدولة والدعاء لنفسه خليفة وبالفعل دخلها وقبض علي ام الخليفة السودانية ونهب اموالها ثم تركها بعد دفع فدية ثم انتقل لنهب الخليفة الذى لم يجد في قصره الا الحصير الذى ينام عليه حيث انه باع كل شىء ليأكل ..
بعد ذلك قتل احد قواد الترك ابن حمدان وكان يدعي الدكز واتصل الخليفة سرا ببدر الجمالي ..
كان بدر الجمالي والي عكا تحت قيادة الخليفة المستنصر وكان مخلصا له وارسل الخليفة يستدعيه ويطلب منه القضاء علي الفتنة التي دبت في الجيش وقتل الدكز وتولي وزارة مصر وبالفعل اخضع بدر جميع الاتراك في الجيش وقتل عدد كبير منهم ثم استولي علي الدلتا والاسكندرية المعروفة بكرهها للحكم الفاطمي (الشيعي المذهب) لانهم احتفظوا بمذهبهم السني وكانوا قد ساعدوا ابن حمدان ضد الخليفة واخضع ايضا الصعيد ..
في نفس الوقت بدأ النيل في الجريان نحو مصر مثلما اصبحت السياسة في يد بدر الذي تولي رئاسة الوزراء وحصن القاهرة واعاد اسوار القاهرة التي مازال منها اجزاء باقية الي الان في الابواب الشهيرة لها وتحسنت احوال مصر الاقتصادية بفعل الغاء الضرائب علي اصحاب الاراضي والمصانع والتجارة لمدة سنتين لتخفيف الازمة لترجع الدولة شكلا الي الحياة ..
سقطت الدولة الفاطمية علي يد صلاح الدين بن ايوب في 567 هجرية اي بعد سنوات طويلة من الشدة المستنصرية
ويذكر أن الخليفة المستنصر أمتدت فترة حكمه الى ستين عاما ويلاحظ أن هناك علاقة بين طول مدة الحكام في مصر ونزول الشدائد ففي زمن رمسيس الثاني الذي طالت مدة حكمه ضربت مصر بالنزائل وعرفت سنوات الشدة في مصر بالسنين العجاف (ذكرت في عشر أيات بالتوراة وتسع أيات ب القرآن الكريم)ضربت مصر بالنزائل وحدثت مجاعة عصر حكم الهكسوس لمصر في سبع سنوات عرفت بسنين يوسف رواها القرآن في حلم الملك وبتوليه يوسف خزائن الأرض الذي أدار الأزمة بأقتدار ولكن كيف للمستنصر بوزير كيوسف ويذكر أن الحسن بن الهيثم قد زار مصر في عصر الدولة الفاطمية وأشار عليهم ببناء سد عالي على النيل إلا أن مشروعه رفض من الخلافة فكانت النتيجة ماحدث من شدة وظلت الفكرة حتى كتب لها التنفيذ في ستينات القرن العشرين ببناء السد العالي الذي وقى الله به مصر خطر السنين العجاف التي غالبا ما كانت تستمر بالسبع سنين ويذكر أن محمد علي بعد خروج الحملة الفرنسية كانت مصر أمامه ليحكمها منذ 1803م إلا أنه وبذكاء رفض الولاية ومنسوب الفيضان منخفض ولم يقبل إلا بعد انتهاء الأزمة التي حسبت على خورشيد باشا الوالي العثماني
مصادر
المقريزي: إتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاhttp://www.alwarraq.com
ابن تغري بردي : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
ابن إياس :إغاثة الأمة بكشف الغمة